الأحد، 21 فبراير 2021

ذكرى الفشل

 

*ذكرى الفشل* 

جلس على حافة نافذة غرفته الصغيرة يُغازل القمر المُضىء، بوجهٍ شاحب وملامح ذابلة،

 تارةً يحادث القمر وتارة يصمت

 كان الليل الحالك يعزف الأنين؛ فتتراقص نوافذ الجيران لذلك العزف الحزين كسيرة.

 حفيفُ الرياح الموحشة يخطف الأوراق ببطء؛ ويُبعثر خصلات شعره المرتب، ويُقلب صفحات ماضيه البائس، صورٌ وأصواتٌ شتى تمر من أمامه: 

صوت معلمه المتجهم يضربه بسياط كلماته: "أنت فاشل لا تنفع لشيء؛ لن يكون لك مستقبل ولا ماض لتفخر به! "

والأصدقاء يقهقهون ساخرين: "صِدقًا يا جمال إن تنظيف المداخن مناسبٌ لك؛ أما التعليم فدعه لمن يمتلكون العقول النابغة أمثالُنا!"


وصوت عامل الحلوى الذي طرده خارج محلِه، ورمى بهِ أرضًا، وتلك العربة التي كادت أن تسحقه! 


سُحقًا! كُل شيء مازال مرسومًا على جدران ذاكرته، وما زالت تلك الصفحات النازفة تُقاسمه الحياة؛ ويرتشف من دِمائها كُل ليلة!  


عويل الذئابُ يشاركه السَمر، وكل شيء يغوص في الظلام؛ فيحتضن قلبه خشيةَ أن تتزايد ثقوبه، وخشيةَ أن يطير من قلبه الأمل.


فجأة، شعر بوخزٍ في صدرهِ؛ فقد تراءت له صورة أمه الراحلة في كبدِ الظلام تناديه" ولدي حبيبي" وترسل له قُبُّلاتها عبر رذاذ الهواء فيطبعها على جبينه الأسمر.


ولولا صوت الرياح التي هبت مؤخرًا بقوة لغاب عن وعيه، وبعد ربع ساعة أفاق من شروده ونفض الأفكار عن رأسه المكتض بصورِ الماضي ثم هتف بصوتٍ مرتفع  يملؤه الأمل:" لم أعُد جمال الفاشل، تعال يامعلم وسام وانظر بنفسك... تعالوا يا أصدقاء، أنا الآن مدير لأحد أكبر الشركات في العالم، أنا النابغة، أنا الناجح والمفكر ...."



صوتُ أوراق كتابه الذي وضعه أمامه قد أفاقه؛ فوجد الأوراق مببللة، وكأنها تستغيثه من غرق السطور!   

-ما الأمر من أين جاء الماء؟!

ظن أن السماء تبكي على صدره، لكنها عيناه من بكت بحرقة دون شعور منه؛ فارتفع صوته أكثر فأكثر حتى قال: " أيها العالم المتوحش، أيها الحمقى...أنا هُنا ألا تسمعون صوتي؟! 

أنا هُنا أُلملم مابعثرتموه بي، أُجددُ فيّني أملُ الحياة الغير منقطع؛ أنا هُنا لأخبركم عن نجاحي الذي حاولتم عبثًا كسره؛ لأخبركم أنني كنتُ وسأظل أقوى؛ أنا هُنا نجم سمائكم شئتم أم أبيتم.


أصوات المارة تحت نافذة غرفته قد هدنت قليلا لتنعته بالمجنون فقال أحدهم: اصمت! ستُيقظ الموتى....

ثم مضى في طريقه وهو يشتمه؛ فحبس أنفاسه متنفسًا الصعداء؛ وأشعل شمعة ثم أغلق النافذة ساحبا ظله المائل وجلس على سريره يكتب مكنون قلبه الأليم؛ وكتب هذه المرة إلى الليل فقال:

"عزيزي الليل، نسيت أن أخبرك أنني مازلت مُحِبًا للحياة وهذا الألم الذي يزورني كل ليلة لن يتمكن مني ...عزيزي الليل، أنا طالبٌ عندك؛ أبحر على سطحك الأسود بسفينةِ بلا شراع؛ فعلمني!"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الشعور الخفى

  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، الحب .. هو ذلك الشعور الخفى الذى يتجول فى كل مكان ويطوف الدنيا بحثا عن فرصتة المنتظرة ليداعب الأحساس وي...