الأحد، 18 أبريل 2021

الفتاةُ العرجاء


 
أسعد الله مساكم بكل خير
زوار ومتابعي مدونة أناقة فكر (لنقرأ معاً)
حروف اليوم بعنوان (الفتاة العرجاء)

نفسٌ عميقةٌ نعم، أشعرُ بِأنفاسي تنقطع؛ُ مِنْذُ ساعاتٍ وَأنَا أركضُ فِيْ الغابةِ بِمُفردي، حلَ الظلامُ، سكنَتِ الوِحشةُ مُخيلَتِي، تهتُ عَنِ الدربِ، سلكْتُ الطُرقَ المُتشعبةِ جميعُهَا؛ رُبَمَا أصلُ إلّى المركزِ حيثُ يقنطُ داري، موقعُهُ التهكُميّ الساخر هُوَ مَا جعلَنِي أُطلقُ عَلَيْهِ اسمَ قلبِ الغابة.
 
الحقيقةُ هِيَ أنّنِي لَمْ أُطقْ هذا البيتَ مُذْ أنْ أنتقلْنَا إلّيهِ، وَلَمْ أحبَ مُطلقاً السكنَ فِيْ هذا المكانِ المُنعزلِ عَنِ البشريةِ، أنتصفَ الليلُ وَلَمْ أجِدْ مَأوى عائِلتِي المُنهمكةِ الآنَ بِالتجارُبِ العلميّةِ، قِطعاً لَمْ يكتشفْ والدايّ إلّى الآنِ غيابي، حتماً سَيظُنَانِ أنّنِي قَدْ خلدْتُ إلّى الفراشِ قبلَ وقتٍ طويلٍ مِنَ الآن، تشظفَتْ قدمايّ مِنْ طولِ المسير .
 
 حسناً سأرتاحُ هُنَا قليلاً، عَلَيّ أنْ أكونَ مُطمئِنةً؛ لا شيءَ يُخيفُ البتة، مَالضيرُ أنْ وجدَتْنِي الوحوشُ المُفترسةُ؛ هِيَ لَنْ تنهشَ عِظامي، استبعدُ كُلَ البُعدِ أنّ هُنَاكَ مَنْ يتعطشُ لِدمائِي، بَاتَ هذا الخيالُ المُقرِفُ يُشعيرُنِي بِالغثيانِ، لِطالَمَا هذا المكانُ أشرَنِي بِالوحدةِ، أقعدُ مَعَ نفسِي طوالَ النهارِ أُحدِثُهَا بِصمتٍ، أُحدِقُ بِتملمُلٍ فِيْ سقفِ غُرفتِي، أُحاولُ تخيلَ العالمِ الذِيْ حُرِمْتُ العيشَ فِيْهِ.
 

جُلَ مَا أرغبُ بِهِ هُوَ العيشُ مَعَ أشباهيَ مِنَ الجنسِ البشري، أنْ أحضُرَ الحفلاتِ، وَأُقيمَ الأُمسياتِ، وَأرتدي الملابسَ الأنيقة دونَ أنْ أسمعَ مُغازلةَ الفراشاتِ دونَ غيرَهَا، وَتصفيقِ الرياحِ الهزيلِ، فقط أرغبُ بِحياةٍ حقيقةٍ، أمّا فِيْ الليلِ فَأحاولُ الغطَ فِيْ نومٍ عميقٍ يدعونِي لِنسيانِ تفاصيلِ يومي المُضجرة، لكنّ الأصواتَ المُرعبةَ تُباغتُنِي دونَ رحمةٍ؛ عواءُ الذِئابِ خارجاً، وَصوتَ مُخيلتِي المُخيفةِ حيثُمَا أتواجدُ.
 
هُناكَ فتاةٌ عرجاءُ تزورُنِي كُلَ ليلةٍ، أظنُ أنّهَا بكماء فَهَيَ لا تتكلم، فَقَطْ تُحدِقُ بِي بِصمتٍ، نظرتُهَا تُرعبُنِي، أخشى مِنْ شعرِهَا الأصفرِ أنْ ينقظَ عليّ وَيقيدُنِي، أدفنُ رأسي فوقَ قدماي وأجهشُ بِالبُكاء، كُلُ هذهِ الأصواتِ تُرافقُنِي طوالَ الليلِ بينمَا والدايّ يعملانِ فِيْ مُختبرِ أبحاثِهِمَا ليلاً وَيناما طوالَ النهار، الآنَ كُلُ شيءٍ هادِيءٍ؛ لا شيءَ سِوَى أصواتِ صراصيرِ الليل وحفيفَ الشجر.
 

يبدو أنّنِي سَأقضي ليلتيَ هُنَا تحتَ ضوءِ القمرِ وبِصُحبةِ َصُراخِ أحاسيسي المُضطربةِ، وَدويّ الليل المُكشرِ بِأنيابِهِ لِيفترسَنِي، أظنُ أنّ الساعةَ الآنَ قَدْ وصلَتْ لِلثالثة، لا أصدقُ عينايَ الآن؛ إنّهَا ذاتُ الفتاةِ العرجاءِ أتَتْ إلّى هُنَا لَكِنّهَا هَذِهِ المرةَ تقتربُ مِنّي، قدمايَ مُجمدتانِ، أحاولُ الوقوفَ مِراراً لِأهرُبَ لكنّنِي أتعثرُ قبلَ أنْ أنهض، إنّهَا اللحظةُ تخنقُنِي؛ تُريدُ قتلي، أدفعُهَا بِكلتَا يداي، أحاولُ التوازنَ بِسرعةٍ لِأتمكنَ مِنَ الهروبِ، أركضُ بِأقصى سُرعةٍ لِي .
 
اللحظةَ اللحظةَ أحسدُ الغزلانَ بلِ الفهودَ عَلَى قدميهَا السريعتينِ، أنّهَا تلحقُ بِي أشعرُ بِهَا، عيناهَا الشرستينِ ذِي اللونِ الرماديّ لا تُغادرُ أفكاري، تتقنصُنِي مُحاولةً اصتيادِي، كـ كـ كيفَ وصلَتْ إلّى هُنَا؟!!!!! هِيَ أمامي مُباشرةً، أشعرُ بِالعجزِ، عينايّ تنهمرانِ، وَرائِحةُ الموتِ المُقزِزَةِ فَاحَتْ، أختنقُ، ألفظُ أنفاسي الأخيرة .
 
مهلاً مِنْ أينَ تتساقطُ هذهِ المرايا الآن؟! هُناكَ قوةٌ مَا دفعَتِ العرجاءُ بعيداً عَنِي، أَيٌعقَلُ هذا إنّهَا أنا وَلكِنْ بِقدمٍ عرجاءَ وَعينٍ رمادية؟!!!! تُشرِقُ أشعةُ الشمسِ، تنسجُ خيوطَهَا الذهبيةَ فوقَ عيناي، هُناكَ ألمٌ فِيْ جميعِ أجزاءِ جسدي، لارغبةَ لِيْ بِمُغادرةِ الفراشِ الآن؛ حقاً كَانَتْ البارحةُ ليلةً حافلةً بِالكوابيسِ كَسابقاتِهَا
 
تحياتي 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الشعور الخفى

  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، الحب .. هو ذلك الشعور الخفى الذى يتجول فى كل مكان ويطوف الدنيا بحثا عن فرصتة المنتظرة ليداعب الأحساس وي...